من صناعة التنور الى امتهان الحرف الخزفية

من صناعة التنور الى امتهان الحرف الخزفية

جميلة التي تبلغ من العمر خمسة وعشرون عامافي غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها اكثر من ثلاثة امتار لمساحة البيت الذي اتخذت منة مشغلا لأعمالها الخزفية الذي يقع في منطقة ريفية تبعد عن مركز المدينة سوى بضعة اميال والذي تجلس جميلة في الغرفة صغيرة مقابل كتلةً من الطين تدور بواسطة عجلة لتشكل منها إناءً خزفيا

ما أن تنتهي من التشكيل حتى يستقر على إحدى الرفوف في ورشة ذات الاصابع الذهبية  كما يطلق عليها أصدقائها إلى جانب عشرات من المصنوعات الخزفية التي تجعل موقعها يبدو وكأنه متحف صغير

لا تحمِل جميلة من طفولتها أي ذاكرة تتعلق بالأعمال اليدوية  فهي لم تكتشف قدرتها وموهبتها في التعامل مع الاعمال اليدوية والخزفية الا بعد دخولها العام العاشر من عمرها بعد ان لاحظت ما تقوم به جدتها من صناعة تنور الطين الذي مهرت في صناعته منذ طفولتها

تقول جميلة بدأت التعامل مع الطين كوني اعيش في منطقة ريفية مليئة بالأنهار حيث نقوم انا وجدتي باستخراج الطين الحري الاحمر من حافات الانهار لنصنع منه التنور الطيني ومن ثم نقوم ببيعه الى من يحتاجه من الناس و اقوم بتشكيل اشكال بدائية  من مادة الطين على شكل تماثيل الهوا بها بعد عودتي من المدرسة كما بدأت اعمل اشكالا تختلف عن الاشكال المعهودة

تشير جميلة بسبب شغفي ومحبتي بهذه المهنة خصصت مكاناً في الغرفة لتلوينها والاحتفاظ بقسم منها للعرض فقط وحاولت دمج الفنون التراثية مع اعمالي واصبح الهدف من تطوير هذه الحرفة هو نقل وتعريف المجتمع بالحرف التراثية والمحافظ عليه

تخرجت جميلة في الصف السادس الاعدادي ثم بدأت اكمال دراستها كمعلمة لتلتقي احدى المعلمات التي شاهدت اعمالها خلال دروس الفنية فقامت بتشجيعها وبث روح العمل المستمر في ما تقوم به من منتوجات لتقيم لها بعد ذلك بالتعاون مع ادارة المدرسة في اقامة معرض لأعمالها الطينية  حيث استقبل بتشجيع وترحيب كبير  من قبل الزوار ومحبي الفن

وتضيف ان هذا الأمر دفعني للتفكير بتعليم طرق جديده في هذا الفن  لجذب انتباه الاخرين فبدأوا بشرائها وتشجعت بان اقدم للآخرين ما هو جديد في عالم صناعة الطين والخزف وتفتخر جميلة بعملها في غرفتها الصغيرة التي أخذت منها وقتاً طويلاً وجهداً في اقناع والدتها على تطويرها والعمل فيها وقت الفراغ من الدراسة

عند اصطحابنا الى موقعها شاهدنا مجموعة من القطع الفخارية أسطوانية الشكل قسم منها لم يكتمل بعد وفي الجزء المقابل مجسمات تجسد اشكال النخيل واعمال خزفية اخرى كجرار الماء فيما تتناثر قطع متنوعة الأشكال والأحجام على طاولة تتوسط المكان

حيث  تؤكد  أن مساندة والدتها وجدتها لها كان السبب في تجاوزها تلك العقبات واستمرارها في المهنة التي تعشقها كما أن للطبيعة دور مؤثر على عملها وهو ما لمسته أثناء العيش في منطقة ريفية إذ مثل المكان بالنسبة لها مصدر إلهامٍ وخلقٍ لأفكارٍ جديدةواطمح ان اترك بصمتي الخاصة في عملي وأحافظ عليه واواكب التطوروتمتد صناعة الفخاريات في العراق إلى أكثر من خمسة آلاف سنة تدرك جميلة أن شغفها ما هو إلا امتداد لهذا التاريخ العريق وتعبر عن حبها لعملها بالقول سأظل أعمل بالخزف وطموحي لن ينتهي هنا

والدتها تقول جميلة تلك الفتاة الهادئة والبسيطةلم تشفع لها طفولتها من قسوة الظروف فقد كانت تقسم يومها ما بين الدراسة والعمل و ان فقر عائلتنا وصعوبة العيش الذي نمر به و رغم تلك الظروف كانت امرأة مكافحة صامدة  الحمد لله لم تترك  ابنتي عن حلمها صانعة خزف وتماثيل ذات قيمة لها و عن حلمها في إكمال دراستها وإعالة أسرتها ونحن فخورين بها وانها بعد تشجيع معلمتها كانت تحاول تقسيم وقتها ما بين المدرسة والعمل وأنها سعيدة وقنوعة رغم قلة ما تحصل علية من المال

 

وتقول الهام عبد علي احدى المعلمات في مدرسة القرية ان جميلة امكانية رائعة في العمل وهي اليوم بعد كانت احدى الطالبات الفقيرات في القرية استطاعت ان تعمل وتتعلم لتحتل لها مكانة اليوم بين معلمات المدرسة وقد اقامت المدرسة لأعمالها اكثر من معرض بعد ان كانت اعمالها بسيطة إلا أنها وثقت بقدرتها على أول مشروع لها المشروع الذي لاقى استحساناً بين الناس وإقبالاً ملحوظا درّبت جميلة الكثير من الشباب والشابات ومنحتهم الخبرة اللازمة عن صناعة الخزف ونظّمت ورش لتأهيل الطلاب جميلة اليوم معلمة ناجحة في احدى مدارسنا وتقوم بعملها الفني بجد واخلاص من اجل تطوير الشباب بعد ان كانت تعتمد على صناعة حرفة التنور الطيني والتماثيل البسيطة البدائية

 

الناشطة ايلاف عودة  تقول أنّ من حق كل انسان في هذا البلد أن يعيش طفولته وان ترعاه الدولة وتقدم له التسهيلات وعلى الجهات المعنية الوقوف على مثل هذه الحالات وتقديم الدعم المالي لهم فأعمال الخزف كانت منذ اقدم العصورمنتشرة في كل بقاع العالم وحظيت تلك المهنة بشهرة واسعة في الصناعات الخزفية منذ العصور الأولى جميلة واحدة نساء قلائل في النجف تتقن الحرفة ولا يخلو نجاح هذه المرأة في عملها من تحديات فالحصول على مادة الطين الحر الاحمر هو أصعب شيء لإكمال اي عمل فني وهو على ما يبدو السبب الذي يجعل كثير من فناني الخزف يتوقفون عن مزاولة هذا الفن بعد فترة من افتتاح مشاريعهم فهو يحتاج مواد اولية

 

 وتعتبر جميلة اليوم نموذجا يحتذى به في العمل كونها استطاعت ان تعيل عائلتها من فقر مدقع وحياة مليئة بالهموم ألى عائلة لها مكانتها في العمل والعلم والتعليم وقد بدأت تخوض تجربتها في تعليم اطفال القرية مهنة صناعة الخزف الا انها تشكو من قلة الدعم لها فهي توكد لنا انها تحتاج لمكان تخصصه لهذه المهنة ومكان لفخر تماثيلها وادوات تلوين تلك الفخورات وتقديمها للمجتمع مضاهية بها الصناعات الاجنبية

#Qarib

رئيس التحرير