زينب: امرأة ريفية تتحدى الصعوبات وتثبت نفسها

زينب: امرأة ريفية تتحدى الصعوبات وتثبت نفسها

خطوة / النجف

زينب هلال الغزالي تبلغ  من العمر 49 عامًا،وسط حقول الريف وداخل أروقة الحياةالبسيطة، نشأت حاملةً على عاتقها عبءَ عادات وتقاليد قريتها التي رسمت للنساء دروبًا ضيقة لا تتسع إلا للسكون والقبول. في زمن كان الحلم فيه ترفًا ممنوعًا على بنات الريف، عاشت زينب صراعًا بين أشواقها ورغبتها في بناء مستقبل خاص بها، وبين القيود الاجتماعية التي تحتم على المرأة نمط حياة محددًا يصعب تجاوزه أو حتى التفكير في تغييره. لكن حكاية زينب لم تكن حكاية انكسار، بل بدأت من هنا رحلة البحث عن الذات وكسر القيود، في مواجهة التحديات والصعوبات، لتصبح قصتها نافذة أمل لكل امرأة ترغب في تحقيق حلمها، مهما كانت التقاليد صارمة.

من الريف إلى الحياة الجديدة

زينب  تقول  “انهيت دراستي الابتدائية وكنت الأولى على مدرستي الريفية البسيطة, مع هذا طلب والدي ترك الدراسة لأسباب عديدة تتلخص في خوفه عليه من الخروج للعالم الخارجي الذي يحمل المجهول بين طياته كوني كنت الصغيرة بعمر الخامسة عشر عاما، تزوجت  بطلب من والدي لاول خاطب طرق الباب, وكإنهم عائلتي  اراوا ان ابنتهم هذه قادرة على تحمل مسؤولية الاعتناء بزوج وبناء اسرة بينما أنا  كنت طفلة لم ترتوي من نهر حنان الاسرة الاولى.

وهنا جاءت الانتقالة الأصعب والأولى بالنسبة لي. الانتقال لمجتمع جديد حمل لي تحديات جديدة فرضت لي, كون العائلة الجديدة تعود لمجتمع يختلف تماما عن بيئتي الأولى بل انه اصعب بمرات ومرات بالنسبة لبيئة الريف التي نشأت فيها.  الان أتعامل على اني زوجة عليها مسؤوليات ومهام كانت كبيرة على فتاة صغيرة، لكن قررت ان أبتدأ صلابة منذ تلك اللحظة حيث اني عرفت انه لم يعد لدي أي خيار بديل, لذا قررت المضي قدما في رحلتها الجديدة.

وسارت عجلة الحياة, ليحملني البيت الجديد الكثير من الاعباء التي قد لا يتحملها حتى الرجال, فلقد كنت أتصدى لمتطلبات مطلوبة مني فضلا عن متطلبات خارجية عرفت في بيت اهلي انها من مسؤولية الرجال وليست فتاة بنت خمسة عشر عاما. مرت بضع سنين, وانا الان أم لأربعة أطفال.”

 

الأم التي واجهت التنمر وقدمت الدعم لأبنائها

اخت زينب تقول “بكل فخرأقولها، زينب كانت دائمًا سبّاقة في حماية أبنائها حتى قبل أن يغزو العالم الافتراضي حياتنا. قررت بحكمتها أن تبني حول أولادها الأربعة جدارًا عازلًا من الخيال، علمتهم أن يصدقوا وجوده ليكون لهم درعًا في وجه هذا المجتمع القاسي. بالفعل، نجحت كثيرًا في حمايتهم وكأنها تحيطهم بحصن من الأمان، لكن يبقى القدر أقوى من الجميع فابنتها الكبرى أُصيبت بمرض لازمها طوال حياتها، وجعلها هدفًا للتنمر من مجتمع لا يعرف الرحمة في نظراته وكلماته. عاشت زينب مع طفلتها هذا الألم الثقيل ولم تكن تتراجع أو تنهزم؛ بل واجهت تلك النظرات القاسية، وقدمت الدعم والحنان لتمنح ابنتها فرصة للعيش بكرامة وعزة نفس. اليوم ابنتها هي صاحبة محتوى هادف  هذه هي زينب التي أعرفها: صلبة أمام الشدائد، تتحول جراحها إلى قوة وأمل لمن حولها.

وتضيف مع كل ما مرت به أختي زينب، لم يكن الاستسلام يوماً خياراً لها، ولم ترضَ أبداً أن تتخلى عن حلم ظل يرافقها منذ سنوات. حين بلغ ابنها الأكبر محمد مرحلة الدراسة المتوسطة وأبدع فيها، بفضل حرصها الدائم على تعليم أولادها، قررت وهي في الثلاثين من عمرها أن تبدأ رحلة جديدة: أن تكمل دراستها مع أولادها الصغار. لم يكن الأمر سهلاً، فقد خصصت النهار تمامًا لأطفالها وبيتها، أما الليل فكان وقتها الخاص للدراسة، رغم أن الكثيرين سخروا من فكرتها.

لكن زينب لم تلتفت للمثبطين. قدمت للامتحان الخارجي للمرحلة المتوسطة ونجحت بتفوق. انتقلت بعد ذلك إلى الثانوية، تقضي نهارها في العمل والمنزل ولياليها على مقاعد الدراسة المسائية، حتى أصبحت الأولى على مدرستها. لم تختر القسم الأدبي رغم سهولته، بل أصرت أن تواجه الأصعب، وأكملت السادس العلمي بتفوق كذلك.

اختارت بكل إرادة أن تدرس في قسم اللغة الإنكليزية في الجامعة. وتزامناً مع دراستها الجامعية، حصلت على وظيفة حكومية، فكانت تبدأ صباحها في العمل، ثم تنتقل لجامعتها، وتعود في النهاية لعائلتها وواجباتها البيتية. وبرغم كل الضغوط، تخرجت من البكالوريوس بمعدل عالٍ ونجاح باهرمما دفع الجميع الان لتشجيعها لإكمال الماجستير, بعد ان كان ينتقدها الكثير لخطوة الدراسة المتاخرة.زينب اليوم حاصلة على شهادة الماجستير في اللغة الإنجليزية. وقد أصبحت بالإضافة لعملها الوظيفي أستاذة اكاديمية أيضا.”

التحديات والصعوبات

ام علي صديقة المقربة من زينب تقول “تجاوزتُ كل الصعوبات، واستطاعت أن تكون رقما صعبا بين الناجحين وممن يستحقون ان ترفع لهم قبعة الاحترام والتقدير. لم يقتصر نجاح زينب عليها فقط, بل أصبحت قدوة لأبنائها أيضا الذين اصبحوا اليوم أطباء متميزين يخدمون مجتمعهم بعلمهم.

واليوم، تحلم زينب بأن تؤسس معهدًا لتطوير المرأة وتعليم اللغة الإنجليزية، ليكون مساحة تحتضن النساء الطموحات، وتمنحهن الأدوات اللازمة لبناء مستقبلهن بأيديهن. فهي تؤمن أن التغيير لا يأتي من الظروف، بل من الإرادة التي تصنع الفرق. لتوصل رسالة مفادها: عزيزتي، لا تستسلمي مهما كانت الظروف من حولك، فنحن من نصنع مستقبلنا ونغير واقعنا نحو الأفضل”

 

أهمية تمكين المرأة العراقية في تحقيق التغيير الإيجابي

ناشطة في شؤون المرأة هبة العراقي  تقول  “ان زينب نموذج مشرف للمرأة العراقية التي استطاعت أن تتغلب على التحديات والصعوبات وتحققت أحلامها زينب أثبتت أن الإرادة القوية والإصرار يمكن أن يحققان المستحيل، ان المرأة العراقية قادرة على التميز والإنجاز، وهي شريك أساسي في بناء المجتمع وتحقيق التنمية المستدامةو يجب علينا أن نعمل على تمكينها وتعزيز دورها في المجتمع وليس فقط حقًا لها، بل هو ضرورة لتحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع. يجب على الجميع أن يعملوا معًا لتمكين المرأة العراقية وتعزيز دورها في المجتمع .”

حلم يتحقق

وهكذا، بعد سنوات من التعب والمحاولات، استطاعت زينب هلال الغزالي أن تثبت لنفسها أولًا، ثم لكل من حولها، أن الحلم مهما بدا صعب المنال في بيئة ترفض التغيير، يمكن أن يصبح حقيقة بإرادة صلبة وإصرار لا يلين. لم يكن الطريق سهلاً، فقد واجهت عواصف من الأحكام والنظرات والتوقعات الضيقة، لكنها تمكنت من رسم ملامح مستقبَل مختلف، لنفسها ولجيل قادم من بنات قريتها. حطّمت زينب جدران الخوف والتقليد،

زينب مثال حي على أن الإرادة لا يحدها عمر. تزوجت في سن الخامسة عشرة، وأمضت أكثر من خمسة عشر عامًا في تربية أبنائها حتى كبروا. بعمر الثلاثين عادت إلى مقاعد الدراسة، وأكملت مسيرتها حتى حصلت على الماجستير، وتسعى اليوم لنيل الدكتوراه. وهي الآن أستاذة أكاديمية تنقل لطلابها علمها بروح مليئة بالحنان والرقي، وكأنها أرادت أن تعيد تشكيل مفهوم التدريس ليكون أكثر رحمة وإنسانيةوأصبحت قصتها ذكرى محفورة في ذاكرة المكان، ونبراس أمل يضيء دروب النساء اللواتي يسعين لتحقيق ذواتهن.

 

 

 

 

 

رئيس التحرير