سارة تنتصرعلى المرض

خطوة / النجف
في مدينة النجف القديمة حيث تختلط رائحة التاريخ بأنين الحاضر ولدت سارة التي تبلغ السابعة عشر من عمرها عاشت حياة عادية حتى جاء اليوم الذي تغير فيه كل شيء لم تكن حياتها تختلف عن أقرانها أيام تمتلئ بضحكات المدرسة وأحاديث المساء مع العائلة وأحلام صغيرة تكبر مع كل شروق شمس لكن القدر كان يخبئ لها اختباراً صعباً سيكشف معدنها الحقيقي ويحوّل مسار حياتها إلى افضل.
انتفاخ صغير وقلق كبير
كان صباحًا غائمًا حين جلست سارة أمام المرآة تسرّح شعرها الطويل تستعد ليوم دراسي جديد وفجأة وضعت يدها على رقبتها لتجد انتفاخًا غريبًا تجاهلت الأمر في البداية لكن التعب بدأ يسري في جسدها شيئًا فشيئًا لاحظ والدها شحوبها وضعفها المتزايد فقرر أن يصطحبها للطبيب وفي غرفة الانتظار كان القلق يأكل قلب الجميع دخل الطبيب بوجه متجهم جلس بهدوء وقال للأسف التحاليل تؤكد أن سارة عندها سرطان الغددعمّ الصمت أمها انهارت باكية ووالدها أمسك بيد الطبيب متلعثمًا دكتور أكو أمل نعم إذا بدأنا بالعلاج بسرعة هناك فرصة كبيرة للشفاء أما سارة فكانت تنظر للجميع بعينين دامعتين لكنها قالت بثبات ما أريد أحد يبچي أنا راح أقاتل.
سقوط الشعر… وسقوط الأقنعة
بدأت رحلة العلاج الكيماوي ومع كل جلسة كانت سارة “تشعر وكأنها تقاتل في معركة غير عادلة بعد أسابيع وأثناء تمشيط شعرها بدأت خصلاته تتساقط بين أصابعها نظرت للمرآة دمعت عيناها، ثم ضحكت فجأة يمّه، شوفي… صرت مثل نجمات هوليوود بالصلعة تقول أمها اقتربت منها واحتضنتهالكن سارة وضعت يدها على وجهها وقالت يمّه لا تبچين إذا شعري راح إيماني ما يروح”
أم سارة تضيف في المدرسة“ابتعدت بعض الطالبات من ابنتي خوفًا أو جهلًا وهمس البعض بكلمات شفقة الا صديقة واحده من صديقاتها بقيت بجانبها تمسك يدها وتروح عنها في أصعب الأوقات صوت الأب… سند لا ينكسرفي إحدى الليالي دخل أبو سارة غرفة ابنته جلس قربها وهمس بنتي مهما صار، أنتِ نور عيني الدنيا كلها تهون بس أشوفچ تبتسمين
أمسكت سارة بيده وقالت بابا لا تخاف عليّ أنا راح أرجع وأفرحك مثل قبل“
ارتفاع إصابات بمرض السرطان
وتشهد مدينة النجف ارتفاعاً مقلقاً في نسب الإصابة بمرض السرطان حيث تُسجل المستشفيات يومياً أعداداً متزايدة من المرضى ويقول مدير إعلام صحة النجف،
“ماهر العبودي وفقاً للإحصائيات الصحية لعام 2023، ” نسجل نحو 10 حالات مشخصة يومياً و200 إلى 250 إصابة شهرياً أي ما يعادل 2000 إلى 2200 خلال عام 2023، مما يستدعي تحركاً عاجلاً لتعزيز إمكانيات المستشفيات وتوفير العلاجات اللازمة
“وفي أروقة المستشفيات يتزايد عدد المصابين بمرض السرطان بشكل يومي ويظهر ذلك بوضوح في الأرقام التي قدمها مدير المركز الوطني للأورام الدكتور حيدر الشبلي الذي أعلن عن“تسجيل 2312 حالة جديدة في عام 2024. وأوضح أن 52% من هذه الحالات تعود لسكان النجف بينما تأتي 50% من خارج المحافظة
تعود أسباب زيادة نسب الإصابة إلى عدة عوامل منها الكثافة السكانية المتزايدة وارتفاع عدد المراجعين. كما تم تسجيل 46,500 جرعة كيمياوية و17,000 جلسة إشعاعية خلال العام، مما يدل على حجم التحدي الذي يواجهه القطاع الصحي“
أفادت مديرة شعبة السيطرة على السرطان في صحة النجف الصيدلانية سندس الحمداني عن“تسجيل زيادة ملحوظة في الإحصائيات السرطانية في مدينة النجف فقط لعام 2024، حيث بلغت حالات السرطان حوالي 1872 حالة في حين وصل عدد الوفيات إلى 639 حالة.
وأوضحت الحمداني أن هذه الأرقام تستدعي اتخاذ خطوات جدية لمواجهة هذا التحدي الصحي. وأكدت أن صحة النجف قد نظمت اجتماعًا دوريًا لمناقشة الأسباب المحتملة وراء هذه الزيادة، حيث تم وضع توصيات تهدف إلى تحسين طرق الوقاية والتشخيص والعلاج“
الليل الطويل… والكتابة إلى الله
اخت سارة تقول “كانت الليالي الأصعب عندما ينام الجميع تجلس سارة على سريرها تفتح دفترها وتكتب أنا مو ضعيفة حتى لو جسمي يتعب روحي قوية يا رب ساعدني أگدر أشوف الشمس يوم جديدأحيانًا كانت تبكي بصمت وتسأل الله ليش أنا ثم تعود وتكتب يمكن الله يريدني أصير أمل لغيري حين يبقى القلب أجمل من كل ملامح“
مؤسسة رعاية ودعم المرأةتدعو لتوفير الرعاية الشاملة للنساء في النجف
معصومة الموسوي المختصة في مؤسسة رعاية ودعم المرأة“تؤكد يوجد الكثير من النساء والفتيات في مجتمعنا ممن يواجهن أمراضاً مزمنة وتحديات اجتماعية ونفسية. لقد استطاعت سارة بدعم أسرتها وصديقاتها والطاقم الطبي أن تتخطى مرحلة الألم والخوف إلى أفق الأمل والنجاح وتعود أقوى وأكثر إصراراً على تحقيق أحلامها، حتى أصبحت نموذجاً يُحتذى به في العزيمة والإيمان.
وتشير الإحصائيات الرسمية لعامي 2023-2024 إلى تزايد ملحوظ في حالات الإصابة بمرض السرطان في مدينة النجف، مما يتطلب مزيداً من التعاون بين المؤسسات الصحية والمجتمعية لتوفير الرعاية الشاملة والدعم النفسي والاجتماعي، خاصة للنساء والفتيات، اللواتي يشكلن حلقة مهمة في بناء المجتمع.
و تدعو مؤسستنا إلى تعزيز برامج التوعية حول أهمية الكشف المبكر عن الأمراض السرطانية كذلك توفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي للنساء المصابات وأسرهندعم المبادرات المجتمعية التي تسلط الضوء على قصص الأمل والإرادة وتحسين إمكانيات المستشفيات وتوفير العلاجات الحديثة لجميع المرضى دون تمييز كذلك نؤمن أن كل امرأة قوية قادرة على تجاوز المحن إذا وجدت الدعم والرعاية المناسبين. وقصة سارة دليل حي على أن الإرادة والإيمان والأمل تخلق المعجزات معاً من أجل صحة المرأة ومن أجل مجتمع أكثر وعيًا وتضامنًا“
كلمة أمل
زينب صديقة سارة تقول“لم اترك سارة أبدًافي إحدى الأمسيات كنت أقول لها حتى لو شعرك راح أنتي بعدچ أجمل وحدة الحياة مو بالشكل الحياة بالقلب ضحكتا معًا وفي لحظات الصمت عرفت سارة أن الصداقة الحقيقية لا تهتز أمام المرض أو الظروف“
في كل زيارة كان الطبيب يحاول أن يزرع الأمل في قلب سارة وعائلتها في إحدى المرات جلس بجوارها وقال “سارة العلاج صعب وأعرف تعبك لكن الأمل نص العلاج أنتِ قويةيقول ابتسمت له سارة وقالت دكتور أحيانًا أتعب بس أذكر كلامك وأرجع أبتسم“